تم مناقشة رسالة الماجستير الموسومة بــ ((الملمح الاجتماعي في معجم المصباح المنير للفيومي)) للطالبة (رنا ريسان مهنا) في كليتنا قسم اللغة العربية تخصص لغة من قبل لجنة المناقشة المتمثلة بــ : الاستاذ المساعد الدكتور تحسين عبد الرضا الوزان رئيساً ، وعضوية كل من الاستاذ المساعد الدكتور علي حسن عبد الحسين ، والاستاذ المساعد الدكتور حسن جعفر صادق وبأشراف الاستاذ المساعد الدكتور نعمة دهش فرحان ، يوم الخميس الموافق 2017/12/14 على قاعة (الاستاذ الدكتور هاشم طه شلاش) .

تلخص هذا البحث ان اللسانيات اليوم تمثل إحدى أهم المنهجيات التي انتهت إليها خلاصة النظريات التي تناولت اللغة بالدرس والتحليل، وقد حاولت المفاهيم اللسانية من خلال مساراتها الإجرائية أَن تغطي وتحايث كثيرًا من العلوم الإنسانية التي تؤثر في انتاج الفكر اللغويّ من خلال حيازتها على الشروط المعرفية التي تؤهلها لتكون جديرة بهذه الحيازة. ولا جدال في أّنَّ المحايثة هنا تكون متبادلة بين اللسانيات وهذه العلوم عبر تبادل المفاهيم فيما بينها.

ولعلّ الحقل الاجتماعيّ أهم الحقول التي حايثتها اللسانيات، وانشغلت بها؛ لإرتباطها الجوهريّ بالفعاليات الحياتية للجماعات الإنسانية؛ لأنَّ اللغة العنصر الأهم الذي يكشف عن كيفية تمثل السلوك الاجتماعيّ في المجتمعات، وهذا الأمر يمثل اليوم أحد أبرز الأبواب التي يدخل منها الباحث اللغويّ.

تحاول هذه الرسالة الوقوف على ابرز الملامح الاجتماعية الواردة في معجم المصباح المنير للفيوميّ الذي يُعد أحد أهم المعاجم اللغوية الفقهية، وقد اقتضت طبيعة البحث وظروفه المعرفية على أن ينقسم على أّربعة فصول، اشتمل الفصل التمهيديّ منها على ثلاثة مباحث، في حين اشتمل كلّ فصل من الفصول الثلاثة على مبحثين، تسبقها مقدمة وتتلوها خاتمة.

جاء الفصل التمهيديّ مقسماً على ثلاثة مباحث لتعدد مطالبه وسعته، تناول المبحث الأول منها مفهوم اللسانيات الاجتماعية ونشأتها، في حين تناول المبحث الثاني التفكير الاجتماعيّ عند اللغويين العرب القدامى، ليختم الفصل بمبحث عن أبرز الملامح الاجتماعية التي وردت في مصنفات اللغويين العرب القدامى.

في حين تناول الفصل الأول السياسة اللغوية في المصباح المنير عبر تمثلاتها في الهوية والتخطيط اللغويّ ليجيء المبحث الأول منه متناولاً هوية الفيوميّ بتعدد تصنيفاتها، وكيفية تجليها في المصباح، في حين اشتمل المبحث الثاني على أحد المفاهيم المهمة في السياسة اللغوية وهو مفهوم التخطيط اللغويّ والكيفية التي خطط لها الفيوميّ لبناء معجمه تنظيرًا وإجراءً

أمّا الفصل الثاني؛ فقد انشغل بالكشف عن الظواهر اللغوية الاجتماعية التي وردت في المصباح، إذ تناول المبحث الأول ظاهرة التَّنوع اللغويّ (اللهجيّ)، وأَثره في الصوت والبنية، في حين تناول المبحث الثاني الأَلفاظ التي تقع تحت مظلة المحرَّمات اللغوية (ظاهرة المسكوت عنه وآثارها اللغوية).

ليختم متن البحث بالفصل الأخير الذي تناول موضوع السياق الاجتماعيّ بوصفه دال يكشف عن الدلالة المعجمية من خلال مبحثين، تناول الأول منهما أثر السياق الاجتماعيّ في تحديد دلالة الأمثال والمسكوكات اللغوية، أمّا الآخر؛ فقد اهتم بإيضاح دور السِّياق في تحديد دلالة المفردة عند اللغويين عامة، وعند الفيوميّ خاصة.

أمّا خاتمة البحث فقد اشتملت على أبرز النتائج التي خلص إليها البحث والتي وجدت الباحثة أنها نتائج جديرة بالإشارة إليها وتتمثل بالآتي:

1-لم تقف حدود النظرة الاجتماعية عند اللغويين حسب, بل شملت المعجمين كذلك, مؤكدين جانبًا مهمًا من جوانب الحضارة, كون اللغة تصور حياتهم الاجتماعية, وتحدد أنماط سلوكهم الاجتماعيّ.

2- توزعت مستويات تجلي الهوية عند الفيوميّ بين ما هو فردي (شخصي), ومركب (اجتماعي)، فقد برزت الهوية الشخصية للفيوميّ بتفرده في ذكر الألفاظ التركية التي وفدت إلى البيئة الشامية التي عاش فيها, ليكون بذلك أول معجميّ ينقل هذه الألفاظ إلى العرب, فضلاً عن تجديده لهوية الجماعة (حملة الشرع)، في حين تجسدت أنماط الهوية المركبة للفيوميّ عبر أنماط مختلفة من التجسد بين مناطقيّ وعقدي وأثنى ومهني.

3- لم يتبن الفيوميّ مذهباَ من المذاهب النحوية المعروفة, بل كان توفيقياً يأخذ من المذهبين, وهو ما يدفعنا إلى الجزم بأنهُ كان بغداديّ المذهب.

4- كان للسياسة اللغوية وتابِعُها التخطيط أثر واضح في عمل الفيوميّ المعجميّ, وهو وإن لم يكن واعياً تمام الوعي لهذا المعنى، إلا أنه ضبط مادته اللغوية على وفق سياسة وتخطيط لا تنكرهما العين ولإفهام.

5- سار الفيوميّ على منهج المعجميين الذين سبقوه في دعم مادته اللغوية المراد تفسيرها بشواهد قرآنية أو نثرية أو شعرية.

6- لم يكتفِ الفيومي في أثناء تفسيره للمادة اللغوية بالمعاني الجاهزة التي تحصَّل عليها ممن سبقه، بل إنه تجاوزها ليذكر دلالات ومعاني المادة اللغوية بحسب فهم الفقهاء لها وهذه أحدى السمات البارزة لمعجمه.

7- فكرة التنوع اللغوي (اللهجي) الذي يصاحب تعدد الأوضاع الاجتماعية عند القبائل العربية، هذه الفكرة كانت قائمة في ذهن الفيوميّ، وعمل على تثبيتها وتحقيقها في المصباح.

8- أثمرت التنوعات اللهجية باختلافاتها الصوتية والبنيوية عن حقيقة تتمثل في أنَّ الجماعة اللغوية تعمد أحياناً إلى تيسير كلامها باختصار الجهد العضلي وزمنه, وهذا في أصله عائداً إلى اختلاف البيئات التي أنتجت هذه اللهجات بتنوعاتها.

9- للسِّياق الاجتماعيّ أثر بارز وجوهريّ في تحديد دلالات المفردات والتراكيب اللغوية التي وردت في المصباح, اعتماداً على الظروف المحيطة بالمفردة والتركيب وتاريخها البعيد من حيث الحوادث والاخبار، فضلاً عن أثر المسرح الاجتماعيّ والاستعمال الفعليّ في تحديد دلالاتها .


Comments are disabled.