نوقشت رسالة الموسومة بـــ ((التمثيل الدبلوماسي وسياسة العراق الخارجية مع دول أوروبا الشرقية ) 1958-1963)) للطالب مهدي زايركعيد  في كليتنا قسم التاريخ تخصص (حديث) من قبل لجنة المناقشة المتمثلة برئيسها الأستاذ الدكتور علي محمد كريم وعضوية كل من الاستاذ الدكتور مشتاق طالب حسين والاستاذ المساعد الدكتورة رجاء زامل كاظم وبأشراف الأستاذ المساعد الدكتور خليل حمود عثمان  وذلك يوم الاربعاء  الموافق  4/ 4/ 2018 على قاعة (أ.د. جواد علي) .

 قُسمت الدراسة على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وملاحق, كُرسَ الفصل الأول لدراسة (التمثيل الدبلوماسي بين العراق ودول أوروبا الشرقية حتى قيام ثورة 14 تموز 1958), بحث المحور الأول منه السمات الجغرافية والسياسية لدول أوروبا الشرقية, لإعطاء تصور عن الطبيعة الجغرافية والحدود السياسية والجغرافية البشرية ودورها مجتمعة في عملية تأسيس تلك الدول, كما تناول أبرز التطورات السياسية إبان تلك المدة, في حين خُصص المحور الثاني لدراسة ظروف تأسيس الدولة العراقية بصورة مقتضبة مع إشارة إلى تطور سياستها الخارجية وعملها الدبلوماسي, الذي توج بتأسيس وزارة تُعنى بالشؤون الخارجية وبدخول العراق عضواً في عصبة الامم عام 1932, أما المحور الأخير من الفصل الأول فقد تتبع العلاقات الدبلوماسية بين العراق ودول أوروبا الشرقية قبل ثورة الرابع عشر من تموز1958, إذ كانت المحاولة الأولى لبولندا عام 1925 عن طريق المندوب السامي البريطاني في القدس, الذي أرسل كتاباً برفقة دبلوماسي بولندي إلى الملك فيصل الأول, وبعد سنتين نجحت بولندا في تأسيس علاقات دبلوماسية مع العراق, وانتدبت لتلك المهمة قنصلها العام في القدس بصفة قنصل عام غير مقيم, تطورت بعدها العلاقات بين البلدين ورفعت تمثيلها إلى درجة وزير مفوض غير مقيم تكون محل إقامته في طهران, الملاحظ أن العلاقات بين العراق وبولندا استمرت إبان الحرب العالمية الثانية(1939-1945), إلا أن الفتور شابها كما يبدو, ولاسيما بعد إعلان بولندا اعتماد النظام الشيوعي نهجاً في الحكم عام 1947, على أية حال, مثل بولندا لدى العراق سبعة دبلوماسيين أربعة منهم بدرجة قنصل عام غير مقيم وثلاثة بدرجة وزير مفوض غير مقيم.

         أما تشيكوسلوفاكيا الدولة الأوروبية الحديثة التي أُعلن عن تأسيسها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918), فقد سعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع العراق منذ عام 1925, وتكللت جهودها بالنجاح إذ افتتحت أول قنصلية لها في العراق لكن عملها اقتصر على الجانب التجاري فقط, ومع نهاية عام 1929 تم الاتفاق بين البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية, وبالفعل تم ذلك وأُعلن عنها في الثلاثين من كانون الثاني1930, وبناءً على ذلك كلفت قنصلها في القدس بتمثيلها فضلاً عن مهامه الأصلية, ثم رفعت تمثيلها إلى درجة قنصل عام غير مقيم تكون محل إقامته في القدس, وفي تشرين الثاني1933 نقلت مهام تمثيلها إلى قنصلها العام في طهران, عقب الاجتياح الألماني لتشيكوسلوفاكيا تأثرت العلاقة بين البلدين حتى شباط1941 إذ انتدبت وبمساعدة بريطانيا قنصلها في القدس ممثلاً دبلوماسياً لها في العراق. وفي تطور دبلوماسي لاحق رفعت تشيكوسلوفاكيا درجة تمثيلها إلى وزير مفوض غير مقيم عام1943, مثلها في ذلك وزيرها المفوض لدى إيران. تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الدبلوماسية تركت أثراً واضحاً في نمو الميزان التجاري بين البلدين إبان تلك المدة, وبعد إعلان تشيكوسلوفاكيا جمهورية شيوعية في آيار1948 شاب العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الفتور, مع بقاء العلاقات التجارية ورواج تجارة البضائع المارة بالأراضي العراقية قائمة بينهما.

       الدولة الثالثة التي وقع عليها الاختيار لم تكن كسابقاتها في أكثر من جانب, فلم تكن هناك أية علاقات دبلوماسية قد جمعت العراق ويوغسلافيا قبل ثورة الرابع عشر من تموز1958,على الرغم من محاولة يوغسلافيا إقامة علاقات دبلوماسية مع العراق عام 1947 عن طريق مفوضيتها في طهران, إذ لم يوافق الجانب العراقي على إقامة علاقات دبلوماسية معها لسببين؛ أولهما عدم إمكانية الدولة العراقية فتح مفوضية أو سفارة خارج العراق لضعف التخصيصات المالية, وثانيهما أن يوغسلافيا اعلنت قبل غيرها من دول أوروبا الشرقية اتباعها النظام الشيوعي في الحكم منذ التاسع والعشرين من تشرين الثاني1945, بينما ذكرت الوثائق اليوغسلافية أن عام1955شهد اتفاق البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية.

        في حين أُدرج الفصل الثاني تحت عنوان تطور العلاقات الدبلوماسية مع دول أوروبا الشرقية  (14تموز1958-8شباط1963), قسم أيضاً على ثلاثة محاور رئيسة: بحث الأول منها السياسة الخارجية العراقية بعد إعلان الجمهورية وما رافق ذلك من تحول في الفروض والقيود, بما يواكب طبيعة الحدث ودقائق تفصيلاته, أما الثاني فتناول تطور مسار العلاقات الدبلوماسية مع دول أوروبا الشرقية حتى 8شباط1963, إذ درس تطور العلاقات مع كل دولة على حدة ليتسنى الوقوف على طبيعة العلاقة مع كل منها, منذُ أن وافق العراق على إقامة علاقات دبلوماسية معها في الثالث عشر من آب1958, إذ شهدت تلك المدة لأول مرة تمثيلاً دبلوماسياً متبادلاً بين العراق ودول أوروبا الشرقية المعنية بالبحث, فقد انتدب العراق سفراء في كل من براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا وبلغراد عاصمة يوغسلافيا أما بولندا فتأخر افتتاح السفارة فيها إلى وقتٍ خارج مدة البحث([1]). من جانبها رفعت كل من تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وبولندا تمثيلها الدبلوماسي مع العراق إلى درجة سفير فوق العادة ومطلق الصلاحية, وواضح أنه أعلى درجات التمثيل الدبلوماسي المتبع بين الدول, وكُرس المحور الثالث من الفصل الثاني لبحث تأثير تطور العلاقات السياسية على المواقف الثنائية بين العراق وكل من تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وبولندا على الصعد المحلية والعربية والعالمية, وقد اختار الباحث لكلٍ منها أنموذجاً لدراسته وبيان أوجه التوافق والاختلاف بشأن تلك القضايا, فجاءت حركة الشواف ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ضمن القضايا المحلية, في حين جاءت القضية الفلسطينية ومسألة المطالبة بضم الكويت وكفاح الجزائر مادة لدراسة المواقف الثنائية تجاه القضايا العربية, ولا يخفى اهمية القضايا الدولية في العلاقات السياسية فجاءت حركات التحرر العالمية أنموذجاً, على الرغم من أن تلك المدة زخرت بأحداث عالمية مهمة, فكان اختيار الكونغو مثالاً عن قارة أفريقيا وكوبا عن قارة أمريكا الجنوبية.

      أما الفصل الثالث فتصدى بالبحث في آفاق التعاون الاقتصادي وانعكاساته على واقع العلاقات وتطورها وتبعاً لذلك أخذ عنوان: (التعاون الاقتصادي  بين العراق ودول أوروبا الشرقية حتى 8شباط1963) الذي بُحث في نطاق سبعة محاور, شملت دراسة أثر الزيارات والوفود الاقتصادية المتبادلة في عقد اتفاقيات اقتصادية واخرى للتعاون الفني والاقتصادي واتفاقيات للمدفوعات (المالية) مع دول أوروبا الشرقية, وانعكاس ذلك على نمو الميزان التجاري مع تلك الدول بما حقق المنفعة المتبادلة على وفق مصلحة كل من العراق وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وبولندا, كما بحثت بين طيات هذا الفصل مشاركة العراق في المعارض الدولية السنوية التي أقيمت في بوزنان(بولندا) وبرنو(تشيكوسلوفاكيا) وزغرب(يوغسلافيا) في أثناء مدة الدراسة, وتأثير ذلك على ازدهار التبادل التجاري والاطلاع عن كثب على تطور مفاصل الاقتصاد العالمي, إذ كانت إحدى اهم نتائجها استقدام الخبراء والفنيين للإشراف على المشاريع الاقتصادية الجديدة. ولأهمية القطاع النفطي على مستويي الانتاج وتحسين الصناعات المرافقة له أم التصدير وأثره في الميزان التجاري, فقد خصص لبحثه محور خاص به,  كما تطرق الفصل الثالث إلى قطاع النقل والمواصلات, إذ عقد العراق اتفاقيات النقل الجوي مع تلك الدول, فضلاً عن ذلك شهد تعاوناً في حقول الاتصالات والنقل البري( سكك الحديد) والنقل البحري (اعادة تأهيل الارصفة والموانئ وشراء السفن), مما القى بظلاله على التطور العام لقطاع النقل والمواصلات.

       في حين اهتم الفصل الرابع بالعلاقات الثقافية؛ وتبعاً لذلك حمل عنوان (العلاقات الثقافية بين العراق ودول أوروبا الشرقية حتى 8 شباط 1963), بُحثت في طياته بداية العلاقات الثقافية وتطورها في سبعة محاور, تتبع المحور الأول منها دور الوفود الثقافية في عملية تأصيل العلاقات, بما أفضى إلى عقد اتفاقيات ثقافية مع كل من يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا وهذا ما تناوله المحور الثاني, أما البعثات العلمية للباحثين والاكاديميين والزمالات التعليمية للطلاب العراقيين فتم بحثها في المحور الثالث, في حين خُصص المحور الرابع لبحث سعي الحكومة العراقية لسد شواغر الكليات العراقية من الاساتذة, ولاسيما المختصون منهم بالعلوم الصرفة, وبناءً على ذلك كان التوجه نحو جامعات دول أوروبا الشرقية بغية استقدام اساتذة وخبراء لتحقيق ذلك الغرض. وفي إطار بحث التبادل الثقافي بين العراق والدول موضوعة البحث خُصص المحور الخامس لعرض التعاون في مجالي إقامة المعارض الفنية والسينما. ومما لاشك فيه, كان للدور الريادي لقادة العملية التعليمية بالغ الأثر في تنمية التبادل الثقافي, وذلك ما عزز بحث الموضوع في محور مستقل. أما المحور الأخير في هذا الفصل فقد كُرس لبيان دور الشباب في تطوير العلاقات الثقافية مع دول أوروبا الشرقية, فوقع الاختيار على الكشافة والاتحاد العام لطلبة العراق أنموذجاً لتلك الفئة العمرية, على اساس دراسة النشاط  الذي قامتا به إبان مدة هذه الدراسة.

       اقتضى منهج البحث التاريخي, أن تُكرس الخاتمة لعرض أهم النتائج التي توصل إليها الباحث, الذي تتبع بالدرس والتحليل أصول العلاقات الدبلوماسية مع دول أوروبا الشرقية وتطورها بعد إعلان النظام الجمهوري في العراق بما انعكس بشكل إيجابي على الجوانب الأخرى التي عززت كثيراً من استقلالية السياسة الخارجية على وفق متطلبات تلك المرحلة من تاريخ العراق المعاصر.


Comments are disabled.