نوقشت رسالة الماجستير الموسومة بــ (انماط التعبير في كتاب البخلاء للجاحظ) للطالبة (ندى جبر عاشور) في كلية التربية ابن رشد للعلوم الانسانية قسم (اللغة العربية) تخصص (ادب) وبأشراف الاستاذ المساعد الدكتور سوسن صائب سلمان ، يوم الثلاثاء الموافق 2017/8/29 على قاعة (أ.د. هاشم طه شلاش) .

أقتضت طبيعة البحث أنْ تستقر في منهجها على ثلاثة فصول، يسبقها تمهيدٌ، إذ تناولتُ فيه كتابة الجاحظ ومنهجه الاجتماعيّ، ثم عرضت أهمية كتاب البخلاء في أدب الجاحظ . أمَّا الفصل الأوَّل ؛ فقد جاء بعنوان الأنماط الابلاغيَّة ومدلولاتها التعبيريَّة، وفيه مبحثان:  خُصِصَّ المبحث الأوّل لوظائف التعبير التواصليّ، فتمثلت الأنماط الابلاغيَّة في كتاب البخلاء من خلال عمليَّة التواصل، وقد وجدتُ دراسات تنظيريَّة أوَّلى تتكلم عن هذه العمليَّة، فتمظهرت هذه العمليَّة من خلال الوظائف الخمس، حيث ارتبطت كل وظيفة منها بعنصر من العناصر التي تقوم عليها هذه العمليَّة، فالوظيفة التعبيريَّة التي ترتكز على المرسل، كشفت عن موقفه، وحالته النفسيَّة، وانفعالاته من خلال عدة أدوات لغويَّة، اما الوظيفة الافهاميَّة؛ فقد ظهرت فيه للتعبير عن موقف المتلقي ومدى استيعابه للقصَّة، أمَّا الوظيفة الانتباهيَّة؛ فترتبط بقناة الاتصال، وكان لها أثر كبير في توالد القصص، وتداخل أنماط التعبير، ممَّا أدى إلى ابراز العلاقة التواصليَّة الابلاغيَّة بين المرسل والمرسل إليه. أمَّا الوظيفة المرجعيَّة؛ فتتعلق بالسياق، وكان السياق الاجتماعيّ هو الغالب في القصص، إذ يساعد المرسل إليه على فهم الرسالة ومضمونها. أمَّا وظيفة تعدي اللغة التي تتعلق بالسنن، فتجسدت بأشكال مختلفة، منها لفائدة تعليميَّة، ومنها مايكون لتعريف الأشخاص داخل القصص.

    واتجه الثاني لأنجازية التعابير الجاحظيَّة، فتجسدت نظرية الأفعال الكلاميَّة في كتاب البخلاء من خلال تقسيمات اوستن التي تمثلت في( فعل القول، والفعل المتضمن في القول، والفعل التأثيريّ)، ففعل القول  لا يخلو كتاب البخلاء منه، وغالبًا ما يقصد الجاحظ منه الوصف والاخبار. أمَّا الفعل المتضمن في القول؛ فقد مثلتُ له في نماذج من رسالة سهل بن هارون، حيث استطاع الجاحظ أنْ يجمع بين التحذير والنصح، وهذه الرسالة تحتوي على أفعال قوليَّة انجازيَّة في الوقت نفسه، أمَّا الفعل التأثيريّ؛ فظهر في قصص البخلاء من خلال فعل الأمر، إذ يترك هذا الفعل أثرًا لدى المرسل والمرسل اليه.

     أمَّا الفصل الثاني؛ فجاء بعنوان الأنماط الإمتاعيَّة وبواعثها الجماليَّة، ويضم هو الآخر مبحثين، جاء في الأوَّل تنميط الخطاب الأمتاعيّ وأثره في المتلقي، فتمظهرت الأنماط الامتاعيَّة فيه من خلال عدد من الخطابات، فكانت هذه الخطابات راصدة للظواهر الاجتماعيَّة في عصر الجاحظ، حيث انمازت بالصورة الجماليَّة التي تعمل على جذب انتباه المتلقي، والتأثير فيه، وقد وظَّف الجاحظ هذه الخطابات في كتابه؛ لتكون داعمة لما يقول، وتكون بمنزلة حجة قويَّة تكون أكثر تاثيرًا في المتلقي.  

    وتناول الثاني وسائل استمالة المتلقي واقناعه، إذ اشتمل كتاب البخلاء على ثلاث من الوسائل الاقناعيَّة، وهي ( البعد الحواريّ، والثنائيَّات التقابليَّة، والوصف)، حيث وظَّف الجاحظ هذه الوسائل؛ لتحقيق القيمة الجماليَّة والفنيَّة داخل قصصه، فكانت مصدرًا من مصادر استمالة متلقيه واقناعه، وكشفت هذه الوسائل عن الأبعاد الفكرية والثقافيَّة للشخصيات البخيلة داخل القصص.

    أمَّا الفصل الثالث؛ فقد نهض بمهمة الكشف عن الأنماط الشعريَّة ومقاصدها الوظيفيَّة، وفيه أيضًا مبحثان، خُصِصَّ الأوَّل للوظيفية الشعريَّة وتجلياتها الأدبيَّة، إذ إنَّ الوظيفة الشعرية تحققت شعرًا ونثرًا في كتاب البخلاء من خلال مبدأي الاختيار والتوزيع، إذ يعدُّ هذان المبدأن من أهم أساسيات الخطاب الجاحظيّ في كتاب البخلاء؛ لما يحويان من ألفاظ ذات دلالة، وهذه الألفاظ تحتاج إلى التنظيم والترتيب، فعمد الجاحظ إلى هذين المبدأين لتنظيم معجمه اللغويّ والدلاليّ كما تحققت هذه الوظيفة من خلال سمتي التكرار والغموض، فالتكرار وظّفه الجاحظ لابراز القيمة الجمالية للرسالة الأدبية، أمَّا الغموض؛ فقد كان عنده سمة أسلوبية في بناء الرسالة الأدبية، ولا سيما الشعرية.                             

     وخصصَّ الآخر للصورة الشعريَّة ومقصدها عند الجاحظ، حيث تبلورت الصورة الشعريَّة عند الجاحظ من خلال الصور الحسيَّة، فهي من  الوسائط المعرفيَّة التي تشكّل الصورة الذهنيَّة داخل الأبيات الشعريَّة، فاعتمدت هذه الصور على حواس الإنسان، فكانت الصور: (البصريَّة، والسمعيَّة، والشميَّة، والذوقية) هي الصور الأكثر ورودًا في كتاب البخلاء، ولاسيما البصريَّة، التي وظَّفها الجاحظ أيما توظيف ليرسم صورة دقيقة لبخلائه.                                         


Comments are disabled.