نوقشت رسالة الماجستير الموسومة بـ (الاوضاع العامة في مصر خلال حكم الاسرة السادسة 2345 – 2181 ق . م) للطالب باسم كامل عبد الامير في كليتنا قسم التاريخ تخصص (قديم) من قبل لجنة المناقشة المتمثلة برئيسها الأستاذ الدكتورغسان عبد صالح وعضوية كل من الاستاذ المساعد الدكتورة انتصار ناجي عبد علي والاستاذ المساعد الدكتور عادل شابت جبار وبأشراف الأستاذ المساعد الدكتور مزهر محسن فرحان وذلك يوم الاحد الموافق 29/4/2018 على قاعة (أ.د. جواد علي) .

اختيار الباحث موضوع (الاوضاع العامة في مصر خلال حكم الاسرة السادسة 2345– 2181ق.م) انما يعود لمرور مصر ابان حكم الاسرة السادسة الى مجموعة من المتغيرات السياسية والتي تمثلت في تغير نمط نظام الحكم وفلسفة ادارة الدولة وتنامي ظاهرة الاقطاع وشيوع فلسفة نظام الحكم اللامركزي لم تعهده مصر خلال عهد الدولة القديمة وهذا الامر هو الذي جعل المؤرخون والمهتمون بشؤون مصر يعتبرون حكم هذه الاسرة مقدمة لظهور عصر الفوضى والاضطراب في مصر والامر الثاني تمثل بظهور نمط وفلسفة اقتصادية مهدت لمشاركة طبقة النبلاء والاقطاعيين في الحكم وقد انعكس هذا الامر بالتمهيد لتدهور اوضاع مصر .

إن الاسرة السادسة ما هي إلا إمتداد للاسرة التي سبقتها ، فلا يتبين من الادلة الاثرية ان الاسرة السادسة استحدثت اسلوباً جديداً في نظام الحكم بل استمرت في تكريم بعض موظفي الاسرة الخامسة وخاصة (كاجمني) الذي كان موظفاً في عهد الملك (اوناس) واصبح وزيراً في عهد الملك (تتي) وكذلك (مرروكا) الذي كان حاكماً للعاصمة وزوجاً لابنة الملك ، ومع ان الظاهر في ملامح السياسة المصرية المتبعة في اول عهد الاسرة السادسة بأن القصر كان يناضل اصحاب الشمس نضالاً قوياً وانه فكر في تغيير السياسة الدينية فحاول صرف الناس عن تمجيد الاله (رع) الى تمجيد الاله (بتاح) الاانه بعد الاضطرابات التي حدثت جراء الصراع الديني الذي راح ضحيته الملك (تتي) مقتولاً ومحاولة اغتيال الملك (بيبي الاول) حدث تراجع بهذه السياسة ومالت رغم اتخاذ مذهب مدينة منف ديناً رسمياً الى ارضاء كهنة (رع) والدليل اننا نجد اثنين من اسماء الملوك يحمل اسم (مرنرع) .

لقد كان التطور السياسي في عهد الاسرة السادسة معكوساً فبدأت السلطات تصبح تدريجياً اقل مركزية دون توقف الى ان كادت الفوضى الحقيقية تعم ، فان الثروات الملكية كانت تبدد باطراد في هبات المعابد والنبلاء ولم يعد بالامكان ايقاف اسلوب منح واردات الارض ، ولم يعد الملك السلطة الوحيدة في مصر بل اصبحت المعابد الكبيرة والاسر العريقة في الاقاليم تنافس الملك بالثروة والتأثير ، وان من الوثائق النادرة التي جائتنا من عهد مؤسس الاسرة هي قراره باعفاء الاراضي التابعة لمعبد (ابيدوس) من الضرائب وكان ذلك من دلائل الضعف حيث ان هذه الممارسة السخية على حساب الخزينة الملكية هي التي قوضت بمرور الوقت السلطات الملكية اذ ان معلوماتنا عن الشأن السياسي الخارجي للاسرة السادسة تؤكد  على وجود نزعات متعاظمة للاستقلال بين حكام الاقاليم ، ومع ذلك فقد قدم هؤلاء الموظفين والذين تلقبوا فيما بعد بلقب (مدراء القوافل) خدمة كبيرة للبلاد وللملك ، فهم سواء كانوا قادة عسكريين حصنوا الحدود المصرية من اطماع البدو في الشرق وشمال شرق البلاد ومن القبائل النوبية في الجنوب واوقفوا مد القبائل الليبية في الغرب بل لم يكتفوا بموقف الدفاع عن ارضهم فشنوا الحملات العسكرية الى عقر دار القبائل البدوية حتى طاردوهم الى فلسطين وتوغلوا بأعماق مجاهل بلاد النوبة وعقدوا الاتفاقيات التجارية مع رؤوساء قبائلها وامنوا طرق التجارة مع البلاد النوبية ومع بلاد بونت فجلبوا لبلادهم مختلف انواع البضائع وجلبوا الاحجار الثمينة والحيوانات النادرة والذهب وغير ذلك ، ومن اشهر هؤلاء المدراء والقادة ويقف على رأسهم ( اوني ) الذي عمل كقائد عسكري حقق الانتصارات الكبيرة لبلاده وعمل مديراً لرحلات الاستكشاف والتجارة في فترة لاحقة ويرجع له الفضل في تسهيل طرق التجارة مع الجنوب لقيامه بحفر خمس قنوات يقول هو انها حققت تقدماً اقتصادياً كبيراً لبلاده ، ومن المدراء الذين ارتبطت اسماؤهم بالاستكشاف القائد (حرخوف) الذي وصل واستكشف مدناً لم يسبقه احد لها ، وفضلا عن ان هؤلاء الامراء كانوا يعودون بثروات طائلة فأنهم كانوا يبسطون حمايتهم على رؤوساء تلك الاقاليم وهذا الامر يعد بمثابة الحصول على مستعمرات مصرية ، وكانت جيوشهم مؤلفة من مجندين من اهالي هذه الاقاليم وبخاصة من اقليم ( يام ) ومعهم بعض الجنود المصريين تمد الحملات التي كانت تقوم بغزوات تأديبية ضد السكان والرؤوساء المتمردين . 

وشهد عهد الدولة القديمة بناء نظام روحي وديني متماسك اصبح المتن الاساسي للدين المصري فظهرت في هذا العهد المجمعات الالهية الكبرى والتي ضمت الالهة الكونية اضافة الى بعض الالهة الشمولة الاخرى وتبنت هذه التجمعات ثلاث مدن اساسية سميت تلك المجمعات باسمها وهي [مدينة هيليوبولس (اون ) ، ومدينة منف ( منفيس ) ، ومدينة هرموبولس ( الاشمونين ) ] واخذت تظهر على المستوى الديني فكرة الاسر الالهية والتي غالباً ما كانت تتألف من ثالوث يتكون من الاب والام والابن مثل ثالوث مدينة منف المؤلف من الاله بتاح والالهة سخمت والاله نفرتوم ، وكان للكهنة دور كبير في الحياة اليومية للناس وذلك نابع من تدين الفرد المصري ، فنجد دورهم واضحاً في باب العقيدة لانهم يقومون بعمل الطقوس الدينية سواء اليومية منها او الجنائزية ، ويمكننا ايضاً ان نلمس دور الكهنة السياسي في الصراعات العديدة سواء كانت بين الكهنة بعضهم ببعض مثل الصراع بين كهنة ( ايزيس ) وكهنة ( خنوم ) او بين الكهنة والملك ومحاولاتهم الوصول الى السلطة او مؤازرة الملك احياناً ضد حكام الاقاليم ، وان اوضح اشكال الصراعات السياسية التي قادها الكهنة تلك التي حدثت بين كهنة ( هيليوبولس ) و كهنة ( منف ) وادت بالنهاية الى انتهاء حكم الاسرة الخامسة والايذان ببداية الاسرة السادسة ، ومع ان اسرة كهنة اله الشمس قد سقطت نتيجة الصراعات الحادة بين الكهنة ولكنها خلفت وراءها ظلالاً كثيفة من الشك حول قدسية الملك في نظر الرعية بعد ان كانت من قبل من البديهيات ، هذا وقد امتاز عصر الدولة القديمة بنوع خاص من الادب الديني الخالص والذي يعد ثمرة من ثمار سيطرة الكهنة الدينية ويتكون هذا الادب من تلك الوثائق المعروفة بـ ( نصوص الاهرام) والتي ظهرت على اهرامات اخر ملوك الاسرة الخامسة وملوك الاسرة السادسة والتي تعد بحق اوفى مرجع عن تاريخ وديانة ذلك العصر وهي اقدم صورة من صور الادب الديني لانها تتحدث عن عقائد ترجع الى الاف السنين قبل الاسرة السادسة .

Comments are disabled.