ضمن احتفالية كليتنا بمرور 100 عام اليوبيل الماسي يتوج دار المعلمين  الاولى في سطور خطت بقلم علم من اعلامها  السيد عميد الكلية المحترم الاستاذ الدكتور علاوي سادر جازع يدون كلمته معبراً بلوحة نثرية اجادت بطيب لطاف الكلمات لتوثق حدث وضاء يوبيل يزدان من ماس بألق ليتوج كليتنا بذكرى عرسها المئوي اعاده الله على الجميع اعوام تفيض بالعلم والمعرفة انها اشراقة ليست ككل الاشراقات الدار الاولى للمعلمين انها اشراقة ابن رشد مصنع العلماء مبارك لنا وللجميع اليوبيل الماسي.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

             ((الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ))

                                                   صدق الله العليُّ العظيم                                            

السيد ممثل دولة رئيس مجلس الوزراء  المحترم

السيد معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور نعيم العبودي المحترم 

السيد رئيس جامعة بغداد الأستاذ الدكتور بهاء إبراهيم إنصاف المحترم 

السادة الوزراء والسادة الوكلاء والسادة المدراء العامون المحترمون

أحبتي الحضورُ الكرام السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه …

أمَّا قبلُ …

      فإنَّ مقاماتِكم تضيءُ أقمارَ بصري ، وتستنيرُ بها آفاقُ بصيرتي ، وهي لدى قلبي بمنزلةِ النبضِ للوريد، وعلى هدي ذلكَ فإنَّ منزلةَ وجودٍكم على قلبي مستجماتُ فرحٍ وسرور  وعيد … أحبَّة كراما نازلينَ في رياضِ قلبي وينابيع عيني التي لا تملُّ النظرَ إلى جمالِ وجودكم المَهَيب …

أمَّا بعدُ …

فما أشبهُ سناءاتِ اليوم بإشراقاتِ الأمسِ حيثُ حلَّ الضياءُ، وبزغتِ الأقمارُ، وبانتْ خيوطِ الشمس، فبالأمسِ كانَ الملكُ فيصل الثاني يرافقه خالُهُ الوصيُّ عبدُ الإلهِ ومن ورائهم رئيسُ وزراء العراق الأستاذ أحمد بابان يحضران فعاليات الاحتفال بتخرُّج كوكبةٍ من طلبة دار المعلمين العالية في العام 1957، واليوم تنطلقُ كليتنا من كلِّ هذا الإرث الخالد؛ لتحتفلَ بذكراها المئة برعاية ومباركة مهندس الإعمار والسيادة والهوية الوطنية الراسخة الأستاذ محمد شياع السوداني؛ لتكتحلَ العيونُ، وتبتهجُ الصدورُ، وتخفقُ القلوبُ فرحًا ؛ لاختصاص دولتهِ الكريمة كليتنا بهذا الشرفِ الكبير؛ وحسبُ سيادته وهو القائل في ذكرى شاعرتنا الكبيرة نازك الملائكة المئوية .

(( وما أجملَ أن تتعانقَ ذكرى شاعرتنا العظيمة نازك الملائكة مع الذكرى المئوية لتأسيس كلية التربية ابن رشد )) وهذا الإدراك نابعٌ من وعيٍّ بأهمية المؤسسة الأكاديميَّة ورجالاتِها؛ فكيف إذا كانت مرتبطةً مع الوجود الوطني للدولة العراقية الحديثة، ويُعاضدُ دولتَهُ حضورًا وإشراقًا وزيرُنا الهمام الدكتور نعيم العبودي المحترم، ويساندُ معاليه رؤيةً واتجاهًا رئيسُ جامعتنا الأستاذ الدكتور بهاء إبراهيم إنصاف فأهلاً ومرحبًا بشذرات المجدِ وعبقهِ وشذاه، وما دامت الحِكمةُ حضرت بين أيدينا بكلِّ ثُقلِها ومكانتها، اسمحوا لي أن استفتتحَ البوحَ بمقالةِ سيدِ الحكماء صادقِ القولِ والفعلِ ( عليًا  عليه السلام ) الذي تخفقُ لَــهُ جوارحي عشقًا يوم ذكرها صاحبُ العقد الفريد، وهو يخاطبُ كميل بن زياد في فضل العلم والعلماء قائلاً :       

((   يا كميل العلمُ خيرٌ من المالِ ، العلمُ يحرسُكَ وأنتَ تحرِسُ المالَ ، يا كميل ماتَ خزَّانُ المالِ وهم أحياءُ  والعلماء باقونَ ما بقيَ الدهرُ ، أعيانُهم مفقودة، وأمثالُهم في القلوبِ موجودة   )).

   لذلك انمازَ العراقُ عمَّن سواهُ من الدول العربيَّة والإسلامية أنَّ عمقَهُ الحضاريَّ يلحُّ على أن يبقيه حيًا نابضًا بالجمال والسحرِ والبهاء على الرغمِ مما تعرَّضَ له من ويلاتٍ ومآسٍ ومحن، ولو تعرَّضت الأمم الأخرى لمعشار ما تلقاهُ العراق؛ لما كانت اليوم موجودةً على خارطة الوجودِ ، ولكنَّ همم المخلصينَ من علمائه وأفذاذهِ وقفوا سامقينَ كنخلِ جنوبهم، وراسخين كجبالِ شمالهم ، وصابرينَ كنواعيرِ غربهم؛ ليخفق قلبَ العراقِ بجمالِ حزمتهم العصيَّة على الانكسار.

بلى أيُّها الأحبَّة إنِّي لأرى علي الوردي في أدبه الرفيعِ أسطورةً، والسيَّابَ بقوامهِ الممشوقِ يزرعُ ورودَ الشعرِ في شناشيل ابنة الجلبي، وجواد سليمَ ينحتُ الحريَّةَ في باحاتِ القلوب، والجواهريَّ ينقلُ عرشَ الحُبِّ بين رياحينَ ضفاف دجلة الخالد، كلُّ شيء بهذه البلادِ يخفقُ لكم، وينادي عليكم، ويستجيرُ بعلمكم ، وهيهاتَ أن تتركوا العراقَ وحيدا.

حضرتم لدارِنا العالية  أيَّها المحتفلونَ الأفاضل فأعدتم تأريخًا نابضا، وتراثًا ناهضا، ومجدًا حافظا، فهذهِ الكليةُ النواةُ الأولى لجامعتنا الحبيبة بغداد، وهي الأُختُ الكُبرى لنظيراتِها في العراق، وهي الرافدُ الأولُ لشريانِ قلبِ الأكاديمية والثقافة في عراقنا الحبيب  وإني لأرى فيها الساعة حضورَ تأملاتِ نازك الملائكة، وموسوعية حسين علي محفوظ، وابتهاجِ جواد علي بمتنهِ التأريخي الحافل، وسعادة مصطفى جواد وهو يميزُ لنا بين صحيح الكلامِ وعكسهِ، ليبزغَ خالدُ الهاشمي رئيسًا لجامعة بغداد في أوجِ مجدِها، ويسمو محمد فاضل الجمالي رئيسًا لوزراء العراق في زمنٍ مضى  خارجًا من عباءتِها؛ ليضعنَا ذلكَ كلَّهُ أمام أمرين أحلاهما أجمل وأبهى فالأول يحملنا مسؤولية قيادة مؤسسةٍ بهذا الثُقلِ والهيبة وهو شرفٌ عظيمٌ تتوقُ لهُ النفوسُ، والثاني يدفعُنَا للمحافظة على هذا الإرث وصيانتهِ وإدامتهِ والارتقاء بصرحهِ الشامخ، ومنهُ تعالى نستمدُ العونَ والتوفيق والسداد، ونشهدُ اللهَ والوطن أننا سعينا وسنسعى لأن تبقى دائمًا وأبدًا في مقدمة كليات جامعة بغداد؛ فمن حيثُ الجانب العلمي أن المناهج في تحديثٍ دائم، والمختبرات في ارتقاءٍ مستمر، ومجلة الكلية ( مجلة الأستاذ )  أخذت خطوات متقدمة في طريقِ دخولِها للمستوعبات العالمية ،ومن حيثُ النشرُ العالميُّ فإنَّ أعدادَ الناشرين من أساتذة هذه الكلية وطلبتِها مؤشرٌ لدى جامعة بغداد بوثائقَ وكتبٍ رسميَّة في تصاعدٍ مستمر، ومؤلفات أساتذتها وبحوثهم مستمرة، فضلاً عن برامج العمل المشتركة مع وزارة الداخلية، ومستشارية الأمن القومي،في الدبلوم الأمني المعادل للماجستير وما إلى ذلك، أمَّا على صعيدِ الجانبِ الإداري فالأرضُ والزرعُ والأرشفة يحكون عالمًا شاملاً تراهُ الأعينُ، وتبصرهُ القلوبُ، وتتلقاهُ الصدورُ بفرحٍ لا نظيرَ لهُ، ولا أريدُ أن أثقلَ مسامعِ حضراتكم بما جرى ويجري وسيجري؛ فهو بفضلِّ اللهِ ومننهِ بازغٌ كالشمسِ في رابعة النهار، وهي رسالة لنا جميعًا نحنُ جموع الأكاديميين الجامعيين في أن يخطَّ يراعُنا متنًا يرفدُ مسيرةَ العلمِ بديمومة البقاء والخلود، ونحنُ أحفادُ كلكامش، وما الخلودُ إلا صفحةٌ يسيرةٌ في سطور تأريخنا الرافلِ بالألقِ الحضاريِّ ، فحريٌّ بنا أن نوجِّهَ أسلَّة أقلامِنا صوبَ ما يُعيدُ العراقَ لواجهة الريادة، والتحضُّر ، والمدنيَّة ، مديمينَ العطاءَ العلميَّ، والتطور الفكريَّ، والسمو المعرفيَّ؛ وعهدنا بكم كبيرٌ ، وأملنُا بكم واثقٌ  ، وما تفاعلكم مع احتفالاتنا بصرحنا الخالد هذا إلا دليلُ وعيٍ فكريٍّ بضرورة مراعاة التجديد ، وتقديم الأفكارِ الناضجة،  لتأخذ طريقها للنشرِ العالمي، وقد قُرَّتْ أعيننا بهذا العام بأن تدريسيي جامعة بغداد فقط بلغ أعداد النشر العالمي فيها مراتب متقدمة بين بحثٍ علميٍّ وإنسانيٍّ ما جعلَ جامعتنا في وضع متقدمٍ ، ولا يخفى على حضراتكم أنَّ  ذلكَ يدخل ضمن معايير ضمان الجودة العالمية، ويجعل العراق يأخذ مساحةً علميَّة مُرضية في المشهد العلمي والأكاديمي، وبهممكم قُطع شوطٌ كبيرٌ في هذا الشأن ، صحيحٌ أنَّ العراق لمَّا يزلْ يُعاني من ظروفٍ شتى ، ولكنَّ الأملَ يحدونا في تطويق أزماتهِ ، والنهوض في مجالاته العلميَّة باختصاصاتها كافة ، ولعمري إنكم على ذلكَ من القادرين.

آملُ لحفلنا المئوي هذا النجاحَ ، ولحضراتكم مزيدًا من التوفيق والجمال الذي أنتم عنوانهُ الأولُ ، فأنتم للعراقِ هويةٌ ووجهٌ وانتماءُ ، وكأنِّي بالشاعر يغازل فيكم  الهمَّةَ والعزم والنقاء والثبات، ليقول :

         سدوا أمامَ الريِّحِ شُرفةَ أضلُعي … كي تستريحَ من الهُطولِ دمائي

         لن تستطيعوا فكَّ أُحجيتي أنا…     عرقُ العراقِ ينطُّ من أحشائي

         لن يبردَ الجمرُ الذي في خافقي… مــا دام مـــوَّالي عـــلى الجوزاء

فالليلُ والبيداءُ بعضُ معارفي… والسيفُ والقرطاسُ من أشيائي

وأنامُ ملأ الجفنِ حيثُ شواردي… نــــهبٌ لكــلِّ قصيدةٍ عصماءِ

ولأنني رئةُ الزمانِ تزاحمتْ …  كلُّ الرئاتِ على اغتيالِ هوائي

… كلُّ الشُكرِ لحضوركم ولبهائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

                                                  

                                                    أ.د. علاوي سادر جازع                                         

                              عميد كلية التربية ابن رُشد للعلوم الإنسانية                         

Comments are disabled.