تم مناقشة اطروحة الدكتوراه الموسومة بــ (الحياة العلمية في اقليم فارس في عهد المغول الايلخانيين من منتصف القرن السابع الى القرن التاسع الهجريين) للطالب جعفر صادق عبد الامير في كلية التربية ابن رشد للعلوم الانسانية قسم (التاريخ) تخصص (تاريخ اسلامي) وبأشراف الاستاذ الدكتور سعاد هادي حسن ، يوم الثلاثاء الموافق 2017/9/19 على قاعة (أ.د. جواد علي) .
لا تعد دراسة تاريخ المغول امرا هينا لمعظم الباحثين والدارسين ، نظرا لقلة المصادر التاريخية العربية ، فمعظم من كتب عنهم هم مؤرخون فرس اوتُرك لا سيما ممن عاصروا مرحلتهم التاريخية ، ولهذا يجد الباحث صعوبة في ترجمة تاريخهم وتدقيق احداثه التي اثرت بشكل كبير في تغيير خارطة العالم الاسلامي .
ان اختيار الباحث لموضوع الدراسة جاء رغبة للبحث عن كتابة تاريخية جديدة وإن اتسمت بالصعوبة ، للابتعاد عن المالوف والحيلولة دون تكرار ما كتب سابقا ، ومما ساعده على اختيار هذا الموضوع هودراستي لتاريخهم في السنة التحضيرية ، اذ توضحت لدي كثير من الامور المُبهمة والمغلوطة عن تاريخهم ، فكنا نسمع القليل عن تاريخهم والذي ارتبط باسم جنكيزخان (ت625هـ/1227م) ،اوحفيده هولاكو(ت663هـ/1265م) وما اقترفوه من دمار وخراب هنا وهناك خلال معاركهم وحملاتهم العسكرية التوسعية ، وهذا الامر وارد في التاريخ عموما ، فما تخلفه الحروب من دمار وخراب امر معروف لكل الامم والشعوب وسواء في التاريخ الاسلامي اوالحديث ، لا سيما وان المغول لم يعتنقوا الاسلام بشكل رسمي الا في عهد السلطان محمود غازان (694-703هـ/1295-1304م) .
لكن من يقرا تاريخ المغول بدقة سوف يجد انهم اتبعوا سياسة مُتسامحة مع جميع الشعوب التي خضعت لهم ، لا سيما بعد ان وحد جنكيزخان دولته وجعل لهم قانون موحد نظم حياتهم وحولهم من شعوب رعوية الى شعوب مُتحضرة ، فكانت حضارتهم مزيجا من حضارات عدة ، العربية منها والتركية والفارسية ، مع تنوع الاديان والذي اضحى امرا طبيعيا ، اثر بشكل ايجأبي في تغيير حياتهم واسهم الى حد كبير في اندماجهم مع شعوب عدة .
وقد تجلى هذا الامر من خلال استقطاب جنكيزخان واولاده واحفاده لمُعظم العناصر المثقفة والكفوءة ،بغض النظر عن جنسهم، اوهويتهم، اولغتهم، اودينهم ،بل ان معظمهم كانوا من المسلمين سواءً من العرب ، اوالفرس، اوالترك ، فكانت لهم بصمات واضحة في رسم معالم الامبراطورية المغولية .
من هنا جاءت أهمية اختيار الموضوع لتكون اثباتا على اهتمام المغول بالحياة العلمية والفكرية والحضارية قبل ان يعتنقوا الاسلام وبعد اعتناقهم له .
لقد خضع المغول لهيمنة الشعوب التي فرضوا سيطرتهم عليها والمقصود هنا بالهمينة ليست العسكرية، اوالسياسية بل العلمية والحضارية ، مع تاسيس المؤسسات العلمية والتعليمية بمختلف انواعها ، قبل ان يعلن السلطان غازان الاسلام الدين الرسمي للمغول ، وزاد اهتمامهم بالحياة العلمية بعد اعتناقهم له ، بل ان الإيلخانات المغول انفسهم كانوا من المحبين للشعر والعلوم العلمية وغيرها ، فاستقطبوا حولهم أهم العلماء والادباء باجناس مختلفة واديان عدة ، بل ان عددا منهم كانوا من كبار الوزراء والامراء والولاة ،وكانوا يتمتعون بصلاحيات واسعة نافسوا بها الإيلخان المغولي نفسه ، اذ كانوا يدركون بأهميتهم وخبرتهم الادارية والعلمية ،وحظي المسلمون منهم بمكانة مرموقة.
لهذا نجح المغول لاسيما بعد اعتناقهم الاسلام في وضع أُسس قوية لامبراطوريتهم الشاسعة،وكان تاسيس دولة المغول على يد هولاكوفي بلاد فارس سنة(651 هـ/1253م) منعطفا خطيرا في تاريخهم ،اذ تاثروا بشكل كبير باهلها من المسلمين ،فاختلطوا بهم واندمجوا معهم،واسهم هذا الامر في اطلاعهم على مبادئ الاسلام وتعاليمه ،فاعتنق عدد كبير منهم الاسلام ،وليس هذ فحسب فبعد ان كانت ايلخانية المغول في بلاد فارس تابعة للخان الاعظم ،اصبحت دولة مستقلة تزهومعالمها بتنوع حضاري مرموق انمازت به عن الدول الاخرى،وعندما اصبح الاسلام هوالدين الرسمي للمغول في بلاد فارس زاد من وهج حضارتها وجعل من المغول شعوبا متمدنة خاضعة للحضارة الاسلامية شاءت ام ابت.
ومن الجدير بالذكر ان هناك عدداً من الدراسات الاكاديمية التي تناولت اقليم فارس خلال العصر العباسي وهي ، اقليم فارس منذ الفتح العربي الاسلامي حتى218هـ/833م دراسة في احواله الجغرافية والاقتصادية والادارية لفائق نجم مصلح ، والحياة العلمية في اقليم فارس (454- 656هـ/1062-1258م) لصابرين بهاء عبد الرضا ، فضلا عن رسائل واطاريح عدة تناولت الحياة العلمية والفكرية في عدد من مدن المشرق الاسلامي خلال العصر العباسي .
واقتضت الدراسة تقسيم الأطروحة الى تمهيد ،واربعة فصول ، سبقتها مقدمة تطرقنا فيها الى أهمية الموضوع وابعاده وتحليل أهم المصادر والمراجع ، ثم تليها الخاتمة التي هي مُجمل النتائج التي توصلت اليها الدراسة ، ثم تلتها قأئمة الملاحق التي تضمنت عدد من الخرائط لاقليم فارس وموقعه ، واعقبتها قأئمة المصادر والمراجع ، وملخص الأطروحة باللغة الانكليزية .
