نوقشت اطروحة الدكتوراه الموسومة بــ ((جوزيف مكارثي ونشاطه السياسي ودوره الفكري في الولايات المتحدة الامريكية 1950 – 1957م)) للطالب (علاء عبد العالي كاظم) في كليتنا قسم التاريخ من قبل لجنة المناقشة المتمثلة بــ : الاستاذ الدكتور كريم صبح عطية رئيساً ، وعضوية كل من الاستاذ الدكتور حيدر طالب حسين والاستاذ المساعد الدكتور احمد ناطق ابراهيم والاستاذ المساعد الدكتور ماهر مبدر عبد الكريم والاستاذ المساعد الدكتور الاء حمزة شناوة وبأشراف الاستاذ المساعد الدكتور بيداء علاوي شمخي ، يوم الثلاثاء الموافق 2017/11/28 على قاعة (الاستاذ الدكتور جواد علي) .

وكان ملخص الاطروحة كما مبين ادناه :

يعدّ جوزيف مكارثي من الشخصيات السياسية المهمة والمؤثرة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1950 وحتى عام 1957 لما تركه من أثر كبير على مجمل الحياة السياسية الأمريكية بتأسيسه ما عرف في التاريخ الامريكي بالمكارثية والتي يمكن تعريفها بأنها : حركة متطرفة لمناهضة الشيوعية في الولايات المتحدة الامريكية ، والمكارثية مصطلحُ مرادفٌ لتوجيه اتهامات خطيرة ، لكن دّون أدلة واضحة ضد موظفين رفيعي المستوى وكذلك اشخاص في الحياة العامة . كما استخدمت المكارثية مصطلحاً اكثر شمولاً لوصف الممارسات (السلوكيات) العامة بتوجيه مزاعم كاذبة وتحديداً بممارسة نشاط مؤيد (داعم) للشيوعية .

اقترنت المكارثية بالخوف من الشيوعية التي طرحت افكاراً ماركسية متطرفة تعتمد مواجهة العالم الرأسمالي الليبرالي والدعوة إلى تحطيمه وإزاحته من الوجود كلياً وإحلال البديل الشيوعي منهج جديد في إدارة العالم الغربي إلا أن المكارثية تلازمت بصورة اكبر بما اطلق عليه بالخوف الاحمر الثاني على اعتبار إن الخوف الاحمر الاول تبلور مع انتصار الشيوعيين في روسيا عام 1917 وهو مصطلح سياسي اطلق على خوف الامريكيين في نهاية عقد الاربعينيات إلى منتصف عقد الخمسينيات من النفوذ الشيوعي المحتمل في بلادهم ولم يكونوا يخشون الاتحاد السوفيتي فحسب بل يخشون الشيوعيين الامريكيين واختراقهم المحتمل للإدارة الأمريكية في محاولة لإسقاط الجمهورية ونظامها الديمقراطي الاتحادي , وقد عمل مكارثي على نشر وتأكيد تلك المخاوف ، إذ منحتهُ الأوضاع السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة الامريكية الفرصة ، بإعطائه التسمية الناجعة لقادة الرأي العام الامريكي بأنّ الاتحاد السوفيتي العدو الدولي ، والشيوعية تهديد تخريبي من الداخل ، وكانت ظروف البلاد الداخلية مهيأة بعد خروجها من الحرب مع المانيا واليابان قبل مدة قصيرة من الزمن ودخولها في حرب باردة خطيرة إبّان عقد الاربعينيات والخمسينيات مع الروس ، ومما زاد من حدت الخوف تقارير وسائل الاعلام التي كانت تتحدث عن التجسس والسياسيين والصحفيين الذين يلمحون إلى عمليات قام بها عملاء أجانب في التجارة والحكومة والتعليم وصناعة الأفلام وأغلب مرافق الحياة العامة الأمريكية .

بدأت المكارثية بصورة فعلية وعملية في 9 شباط 1950 بالخطبة التي ألقاها  مكارثي بذكرى مولد الرئيس ابراهام لنكولن والتي رفع فيها ورقة قال : إنّها تحوي (205) اسماً من موظفي وزارة الخارجية متهمون بالشيوعية ومتهماً الرئيس ترومان بالتواطىء وعدم الموافقة على إعفائهم من مناصبهم ، قادت اتهاماته إلى سنوات من التحريات في مجلس النواب والشيوخ ، ووصل مكارثي إلى قمة سلطته عام 1953 بفوز الحزب الجمهوري بالرئاسة والأغلبية في الكونغرس وترأسه لجنة العمليات الحكومية الخاصة بالتحقيقات في النفقات الوزارة ولجنتها الفرعية ، لكن صلاحياته لم تستمر لمدة زمنية طويلة ، إذ سرعان ما بدأ تراجعه (نهايته) عندما وجه اتهاماته إلى وزارة الدفاع في 25 شباط 1954 بإيواء عناصر شيوعية ، أدّت تلك الاتهامات إلى التقليل من هيبة واحترام الوزارة أمام الشعب الأمريكي ، وعلى أثر تلك الاتهامات فقد شعبيته ، مّما دعا مجلس الشيوخ إلى تشكيل لجنة للتحقيق معه بشأن مزاعمه ، ووجد مجلس الشيوخ أنّ زميلهم تصرف بطريقة مهينة وتستحق التوبيخ ، فصدر قرار الإدانة في 2 كانون الاول 1954 بتجريده من صلاحياته وإيقافه عن العمل في اللجان ؛ لأنّ تصرفاته لا تليق بشيخ امريكي .    

خلفت المكارثية العديد من الضحايا الأبرياء وسجن المئات وكان أغلب الضحايا لهم صلات (ارتباطات) بالحزب الشيوعي الامريكي في مدة ما من حياتهم ولذلك تمّ استهدافهم، وإدراج عدد كبير من الضحايا على القائمة السوداء بما في ذلك الممثلين والمؤلفين وناشطين في الحقوق المدنية وعلماء وأغلب شرائح المجتمع الأخرى .

وقبل الخوض في نشاط مكارثي السياسي ودوره الفكري في الولايات المتحدة الأمريكي في المدة موضوع الدراسة ، وجب إثارة عدد من الاسئلة ذات علاقة بمكارثي ومنها : هل كان للوسط الاجتماعي أو الانحدار الطبقي والعائلي والتعليم وممارسته المحاماة والقضاء والخدمة العسكرية أثر في تكوين شخصيته ؟ وإلى أيِّ مدًى كان تأثيرها ؟ وما أسباب فوزه بعضوية مجلس الشيوخ ؟ وكيف كان أداؤه في المجلس ؟ ودوره في الجانب التشريعي ؟ ولماذا اهتم ببعض الجوانب التشريعية من دون سواها ؟ ما هي الأسباب والنتائج ؟ ما أرائه السياسية في مشروع قانون تقنين السكر و قانون الإسكان ؟ ولماذا كان الشيخ الأكثر إثارة في الجانب الرقابي وما هي أسباب تدخله في أغلب القضايا ومنها التي لم تكن من صلاحياته او لم يكن مسؤولاً عنها ، ولم يكن عضواً في لجانها ؟ وكيف تمكن من جعل صوته أعلى من تقرير لجنة مالميدي ؟ وما اسباب تمسك مكارثي بالشيوعية واتخاذها هدفاً لاتهاماته التي قام بتوجيهها إلى عدد كبير من الموظفين وغيرهم ؟ وكيف تمكن من استغلال الأوضاع التي كانت تمرّ بها البلاد من أجل تحقيق مكاسب شخصيه له ولحزبه ؟ ولماذا بدأ باستهداف وزارة الخارجية دون سواها ؟ ومن الجهات التي كانت تمدّه بالمعلومات ؟ وهل كان لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI  ) دور في اتهامات مكارثي ؟ وكيف تمكن بدهائه السياسي من جعل قرار لجنة تايدنغ دون فائدة على الرغم من انه بيّن أنّ اتهاماته لوزارة الخارجية لا أساس لها ؟ وما الأسباب التي أدّت إلى تعاظم نفوذه وقوته ؟ وكيف تمكن من إقناع قادة الحزب الجمهوري بترؤّسه لجنة العمليات الحكومية ولجنتها الفرعية وما الغاية من ذلك ؟ وإلى ماذا كان يسعى مكارثي من خلال استهداف إذاعة صوت امريكا والفنانين والفنانات والمكتبات ووزارة الدفاع ؟ وكيف كانت نهاية مكارثي والمكارثية ؟ كيف من الممكن في دولة ديمقراطية أنْ يتمتع رجل انتهازي وغير أمين (نزيه) بنجاح سياسي لهذه المدة الطويلة ؟

جاءت فصول الأطروحة للإجابة على الأسئلة المطروحة وغيرها ، وتوخى إتباع أسلوب التسلسل الزمني في عرض موضوعات الأطروحة ، وتم اختيار عام 1950 بداية لموضوعها كونه العام الذي شهد بداية المكارثية وإعلان مكارثي لاتهاماته ضد وزارة الخارجية بإيواء شيوعيين ، في حين كانت وفاته في 2 ايار 1957 نهاية الأطروحة . 

اشتملت خطة الأطروحة على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وملاحق بحث الفصل الاول نشأة مكارثي وسيرته المهنية حتى عام 1945، إذ أحاط مبحثه الأول بمعرفة الوسط الاجتماعي الذي عاشت فيه عائلته الفلاحية . وركّز المبحث الثاني على مكان ولادته ونشأته ، وظروف تعلمه وكيفية تبلور شخصيته وحصوله على شهادة القانون ، وأكدّ المبحث الثالث على ممارسته المحاماة والقضاء وسيرته المهنية وكيفية معالجته للقضايا التي يتم عرضها عليه ، في حين ضم المبحث الرابع سيرته العسكرية والأهداف المرجوة منها .

أما الفصل الثاني فتطرق إلى نشاطه السياسي 1946 – 1949 . وخصّص المبحث الاول لدراسة حملته الانتخابية وفوزه بعضوية مجلس الشيوخ . أمّا المبحث الثاني فقد أفرد لدراسة نشاطه في مجلس الشيوخ . في حين كرس المبحث الثالث لدوره في الجانب التشريعي والأفكار التي تمّ طرحها من أجل تشريع قانون إنهاء تقنين السكر ومشروع قانون الاسكان . أما المبحث الرابع فقد درس نشاطه في الجانب الرقابي ودوره في تحقيقات لجنة مالميدي (Malmedy) .

وكرّس الفصل الثالث لدراسة تبلور المكارثية ومحاربة الشيوعية 1950 . فتناول مبحثه الاول أسباب معاداة الشيوعية وظهور المكارثية . وفي المبحث الثاني سُلِّط الضوء على وزارة الخارجية الامريكية ووطأة المكارثية . أمّا المبحث الثالث فقد ناقش أسباب تحقيقات لجنة تايدنغ وتقريرها .

في حين خصص الفصل الرابع لدراسة المكارثية في التطبيق 1951-1957. فجاء المبحث الاول لدراسة تعاظم نفوذ مكارثي . أمّا المبحث الثاني فركز على تحقيقات لجنة العمليات الحكومية ودور مكارثي فيها والتي طالت اتهاماته إذاعة صوت أمريكا والمكتبات والفنانين والفنانات ووزارة الدفاع . أمّا المبحث الثالث فقد أفرد لبيان أسباب نهاية مكارثي والمكارثية . في حين جاءت الخاتمة موضحة أهم النتائج التي تم التوصل إليها .            

في ضوء دراسة هذا الموضوع توصل الباحث إلى الاستنتاجات الاتية :

1-روجت الادارة الامريكية لفكرة التهديد الشيوعي للحصول على تأييد شعبي لرصد ميزانية ضخمة لإعادة انتاج السلاح بعد تصاعد الدعوات لتقليلها في زمن السلم .

2- نجحت الادارة الامريكية في اخافة الشعب الامريكي من خطر الشيوعية وتم اعدادهم لتقبل اي اجراءات تتخذ ضد الشيوعيين او اي شخصيات يتم اتهامها بالشيوعية .

3- ان المكارثية سبقت اعلان مكارثي في 9 شباط 1950 واستمرت بعد وفاته ؛ وذلك للجدل الذي يتعلق بطبيعة التهديد الذي يشكله الشيوعيون الامريكيون واصول السياسة المناهضة للشيوعية .

4- مثلت المكارثية استجابة مشروعة لمشكلة أمن داخلي خطيرة ، فكانت حركة جماعية لما يسمى باليمين الراديكالي معرضة بشكل كبير لأقوى نظريات المؤامرة .

5- استنزف مكارثي مواهبه وقدراته على مؤامرة غير واقعية مهاجماً الآخرين للحصول على الاهتمام لنفسه ، ليبقى اسمه مرتبطاً للأبد بمدة مظلمة في التاريخ الامريكي ، وتمكن من بناء “نجاحاته” على عمليات تشويه بارتكاب أعمال شذوذ جنسي وتم إسقاطه بالتهم نفسها . بعد فشل الحملة التي قادها على الشيوعية في تقديم وإدانة مخرب واحد بالخيانة أو أي عمل آخر ضد الإدارة الأمريكية لأن العمل المناهض للشيوعية كان قد تم سلفاً على يد لجنة النشاطات غير الامريكية التابعة لمجلس النواب وأن الحزب الشيوعي الامريكي كان منظمة ضعيفة .

6- اختلفت طرق وأهداف الادارة الامريكية عن طرق وأهداف مكارثي على الرغم من ان العدو كان واحداً (الشيوعية) .

7- كانت الاستجوابات والتحقيقات المفصلة التي طالت العديد من الموظفين الحكوميين وغير الحكوميين وعلى كل المستويات والموارد المالية غير المحدودة والدعم الإداري لم يعثر على دليل محدد يؤكد وجود ذلك النوع من المؤامرة التي كان يخشى منها .

8- فقد الخوف الأحمر الثاني زخمه بعدما فقد زعيمه ثقة الشعب بطرق مختلفة وأدرك أغلب الشعب الأمريكي قيمة السلام والاستقرار وحرياتهم المدنية الخاصة والعامة أكثر من اليقظة الدائمة بوجود عدو غير محدد أو مؤكد الوجود .

9- استطاع أن يؤثر على إدارة الرئيسيين ترومان وايزنهاور عن طريق التدخل في سلطاتهم في المدة (1950-1954) .

10- إنّ ما كان لافتاً بشأن البدايات الاولى لمكارثي في مجلس الشيوخ لم يكن مواقفه السياسية الليبرالية أو المحافظة أممية أو انعزالية ، لكن ما هو لافت هو مخالفته (خرقه) المستمر للقواعد والعادات (الاعراف) والإجراءات التي كان يعمل مجلس الشيوخ وفقها .

11- اختار مكارثي أن يكون مؤسسة قائمة بذاتها (مستقلة) من دون إبداء الاحترام للمؤسسة التي انتخب ليكون ضمنها .

12- سمع الامريكيين المزيد من التهم المثيرة للذعر من مكارثي بشأن التخريب الشيوعي . ومع انتهاء عمله الوظيفي كان العمل الوظيفي للعديد من الامريكيين الآخرين انتهى كذلك ، وهم أفراد اتهموا بالتعاطف مع الشيوعية أو الانتماء للحزب الشيوعي .

13- وأبان ذروة سلطة مكارثي من شباط 1950 إلى كانون الاول 1954 رافق خمسة شيوخ خدموا رؤساء الولايات المتحدة الامريكية ، كان دوايت ايزنهاور يشمئز منهُ ، ومن تكتيكاته ، وأساليبه التي يستعملها لكنهُ رفض انتقاده صراحة بالاسم . فيما التزم الشيخ جون اف كينيدي الصمت ، ولم يصوت على قرار الايقاف في مجلس الشيوخ ؛ لارتباطه بعلاقة عائلية قوية ، أما الشيخ ليندون جونسون ، الذي كان زعيم الاقلية الديمقراطية عام 1954 فإنّه قال : (أن تحدي مكارثي هي معركة خاسرة للديمقراطيين) ، ورفض التعليق على أساليبه . وكان نائب الرئيس ريتشارد نيكسون يرى : (أنّ تكتيكات مكارثي كانت غير مدروسة ، ولم ينتقده علناً) . ولم يسجل أي موقف للشيخ جيرالد فورد الذي انتخب شيخاً عام 1948 بأنه انتقد يوماً مكارثي علناً ، بينما انفرد من تلك الشخصيات السياسية التي خدمت في مطلع عقد الخمسينات رؤساء للولايات المتحدة الامريكية ولم يقف منهم في مواجهه مكارثي سوى الرئيس هاري ترومان .

14- استخدمت المكارثية بصورة رئيسة ضد الديمقراطيين المرتبطين بسياسات العهد الجديد التي قادها الرئيس فرانكلين روزفلت في عقد الثلاثينات ؛ لذلك تم اتهام الرئيس ترومان وأهم أعضاء إدارته مثل جورج مارشال ودين اتشيسون بأنهم كانوا متساهلين مع الشيوعيين ، وتم تصوير ترومان بأنه ليبرالي خطير وساعدت حملة مكارثي المرشح الجمهوري ايزنهاور على الفوز في الانتخابات الرئاسية عام 1952.

15- أدت المكارثية إلى خسارة الحريات الشخصية ومصدر العيش لبعض الموظفين وأجبرت عدداً أكبر منهم على التكتم والسلوك والتفكير بحذر ولم يكن الرئيس ترومان قادراً على منع ذلك التأثير المضّر للغاية .


Comments are disabled.